كانت "ليان" تجلس خلف مكتبها في الطابق الرابع من شركة "آلترا تِك"، عيناها تتابع تقريرًا معقدًا، وأعصابها مشدودة منذ أن علمت أن عليها مشاركة مشروعها مع "سعد الرواي" — الاسم الذي يكفي وحده لإشعال ثورتها. لطالما رأت فيه تجسيدًا لكل ما تكره في عالم الأعمال: الغطرسة المتأصلة لمن ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، والاعتماد على النفوذ بدلاً من الجدارة الحقيقية. تجربة قديمة في بداية مسيرتها، حيث تم تجاهل أفكارها لصالح مقترحات شخص ذي واسطة، غذت بداخلها كراهية عميقة لكل من يشبه سعد.
دخل سعد إلى غرفة الاجتماعات بثقة زائدة وهو يحمل كوب قهوة، يلقي ابتسامة ساخرة على الجميع، وعيناه تتوقفان للحظة عند ليان.
قال بتهكم خفيف وهو يجلس قبالتها:
"يبدو أننا سنتحمل بعضنا لفترة... أتمنى أن يكون لديك طاقة لذلك."
ردت ببرود قاتل، تخفي خلفه استياءً عميقًا من طريقته المتعالية:
"أنا أعمل مع الملفات، لا مع الأشخاص الذين يعتقدون أن العلاقات تختصر النجاح."
ضحك بخفة، تلك الضحكة التي تعرفها جيدًا، وتكرهها أكثر مما تكره صوت المنبه وقت الفجر. لطالما اعتبرت طريقته السريعة في إنجاز الأمور نوعًا من الاستهتار بالدقة التي تؤمن بها.
منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن التعاون بينهما لن يكون سهلاً. ليان تعتمد على التحليل العميق والدقة، ترى في عمل سعد اندفاعًا وسطحية. بينما سعد يثق بإحساسه وحدسه وشبكة معارفه الواسعة، وينظر إلى حذر ليان كبطء يعيق التقدم. كل اجتماع كان يتحول إلى معركة صغيرة: انتقادات مبطنة، نظرات تحدٍ، ملاحظات لاذعة تخفي خلفها اختلافًا جوهريًا في القيم.
مرت أسابيع من الشد والجذب بينهما، حتى جاء اليوم الذي تغيرت فيه قواعد اللعبة. كان ذلك مساء متأخرا، المكتب شبه فارغ، والهدوء يلف المكان. جلست ليان منهمكة في إنهاء العرض التقديمي الحاسم، بينما كان سعد يتحدث بالهاتف خارج القاعة. وفجأة، سمعت ليان صوته يرتجف خلف الزجاج. اقتربت بخفة دون أن تريده أن يراها. كان يتحدث مع والدته التي بدا صوتها مريضًا عبر السماعة. قال لها بصوت منخفض مليء بالقلق: "لا تقلقي... غدًا سأكون معك، مهما كلف الأمر."
تراجعت ليان بسرعة إلى مكتبها، وكأنها اقتحمت شيئًا لا يخصها. للحظة وجيزة، اهتزت صورتها الصلبة عن سعد. لكن سرعان ما تداركت نفسها، "إنه يعرف كيف يلعب على مشاعر الآخرين إذا لزم الأمر." عادت إلى شاشتها بتركيز مصطنع، تحاول تجاهل تلك النبرة القلقة التي سمعتها.
في اليوم التالي، وعندما لم يحضر سعد الاجتماع الأول، وقفت ليان أمام مجلس الإدارة، وقدمت عملهما معًا بكل احتراف، مدافعة حتى عن النقاط التي اقترحها سعد، دون أن تأخذ الفضل كله. وحين عاد سعد بعد يومين، التقاها في الممر، عينيه أقل وقاحة، وصوته أقل سخرية.
همس وهو يمر بجانبها:
"شكرًا، لم أكن أتوقع ذلك منك."
ردت ببرود متحفظ:
"لا داعي للشكر. الحق يُقال." لكن في داخلها، كان هناك شيء ما قد تغير، شرخ صغير في جدار كراهيتها.
بدأت الأشياء الصغيرة تتغير ببطء شديد. جلساتهما أصبحت أقل حدة، لكن لا تزال تحمل بعض التوتر. بدأت ليان تلاحظ ذكاء سعد الخارق في بعض الجوانب التي لم تكن تقدرها من قبل، بينما بدأ سعد يرى قيمة إصرار ليان على الكمال. كانت هناك لحظات صمت أقل توترًا، وأحيانًا حتى ابتسامات عابرة لم تدم طويلاً.
في إحدى الليالي، وبينما كانا يعملان على تعديل أخير للعرض، امتدت يد ليان لتتناول ملفًا من الطاولة، فاصطدمت يدها بيده. تجمدا كلاهما للحظة. رفعت ليان رأسها، قابلت نظراته... ولم تجد السخرية المعتادة، بل شيئًا آخر. ارتباكًا خفيًا، اهتمامًا لم ترغب بتسميته بعد. انسحبت يدها سريعًا وهي تبتسم بتوتر:
"آسفة."
قال هامسًا، وكأنها لم تعد زميلته في العمل، بل شيئًا أهم بكثير:
"لا تعتذري."
بعد فتره.. في إحدى الأمسيات، وأثناء اجتماع صغير لفريق العمل، تعرضت ليان لاتهام باطل من أحد المدراء بأنها أخطأت في نقطة حساسة. وقبل أن تفتح فمها للدفاع عن نفسها، تدخل سعد بقوة، قائلاً بصوتٍ واضح:
"ليان كانت المسؤولة عن تصحيح هذه الجزئية... وأنا كنت حاضرًا حين فعلت. لو كان هناك خطأ، فهو ليس خطأها."
ذلك الدفاع العلني عنها، ذلك الوقوف العلني إلى جانبها، حفر في قلبها أكثر مما توقعت. لم يكن مجرد دفاع عن زميلة، بل كان اعترافًا ضمنيًا بكفاءتها ونزاهتها. بدأت ليان ترى في هذا التصرف شيئًا يتجاوز المنافسة، شيئًا يشير إلى احترام متبادل بدأ ينمو ببطء.
في نهاية الاجتماع، وقفا وحدهما أمام المصعد. نظر إليها طويلًا، ثم قال ببساطة:
"لا أدري متى توقفنا عن الكره... لكنني متأكد أنني لا أريد أن يعود."
ابتسمت ليان، لأول مرة دون مقاومة حقيقية، وقالت:
"ولا أنا." كان اعترافًا صامتًا بأن شيئًا ما قد تغير بينهما، وأن تلك المشاعر السلبية بدأت تفسح المجال لشيء آخر لم يستوعباه تمامًا بعد.
لم يكن الحب صاخبًا، لم يكن اعترافًا كبيرًا أمام الجميع. كان شيئًا صغيرًا، ينمو في المساحات بين الجدالات التي تحولت إلى ضحك خفيف، وبين نظرات التحدي التي صارت تحمل أحيانًا لمحة من اهتمام خفي.
ربما لم ينتهِ التنافس بينهما تمامًا. لكنهما علما أن هناك ما يستحق أن يقاتلا لأجله معًا، هذه المرة... ليس ضد بعضهما، بل معًا.
مرت أسابيع بعد لقائهما الأخير عند المصعد. كانت الحياة تمضي عادية في أروقة الشركة، أو هكذا كان يبدو للآخرين. أما بين ليان وسعد، فهناك شيء خفي كان ينمو، شيء يتجاوز كل الكلمات التي لم يتبادلاها. كانت هناك نظرات خاطفة تحمل معنى أعمق، وصمت مريح يحل أحيانًا بينهما أثناء العمل.
ذات مساء، اجتمع الفريق للاحتفال بانتهاء المشروع بنجاح. ضحك الجميع، تصافحوا، تبادلوا الكؤوس الرفيعة المليئة بالمشروبات الخفيفة، بينما كان هو يراقبها من بعيد، وكانت هي تدعي الانشغال بالحديث مع زملائها، وقلبها يخونها بنظرات خاطفة نحوه، تحمل الآن شيئًا مختلفًا عن التحدي أو الكراهية.
عندما خفّ الزحام، وقفت ليان خارج المبنى، تستنشق هواء الليل البارد. خطوات هادئة اقتربت منها. لم تلتفت. كانت تعرف أنه هو.
قال سعد بصوت منخفض:
"لم أكن أعلم أن الانتصار قد يكون فارغًا عندما لا أحتفل به معك."
ابتسمت دون أن ترفع عينيها. هناك بينهما صمت لم يكن بحاجة إلى تفسير. كان صمتًا محملاً بالاعتراف المتبادل بتأثير كل منهما على الآخر.
اقترب أكثر حتى صار قربها حدّ الاضطراب، ثم أكمل وهو يمرر يده بين شعره بتوتر نادر عليه:
"تعلمين... عندما التقيتك لأول مرة، أقسمت أنك ستكونين أسوأ قرار في حياتي."
التفتت إليه أخيرًا، نظراتها تمتلئ بالسخرية المحببة التي لم تعد تحمل مرارة:
"وأنت كنت تأكيدًا على أن بعض الناس لا يتغيرون أبدًا."
ضحك بخفة، ثم سكت، وكأن ما سيقوله الآن ليس كسابقه. اقترب أكثر، حتى صار بإمكانها أن تسمع خفقان قلبه، ثم همس بصوت مشوش بالشوق:
"لكنني كنت مخطئًا... أنتِ أسوأ قرار... وأجمل مصيبة حدثت لي."
ضحكت ليان بخفة، لكن عينيها امتلأتا بلمعان لم تستطع إخفاءه. لم تكن مجرد ضحكة ساخرة، بل كانت تحمل دفئًا ورقة لم تظهرها له من قبل.
أخفض سعد رأسه قليلًا، صوته صار أكثر حذرًا:
"ليان... لا أريد أن أعود لما كنا عليه. ولا أريد أن أكون مجرد زميل عمل أو منافس سابق... أريد أن أكون أكثر من ذلك. أريدك أنتِ."
سكتت لحظة. نظرت إليه، بكل الكبرياء الذي تعرفه عن نفسها، لكن هذه المرة كان هناك ليونة في نظرتها، وحنان خفي لم يعرفه عنها من قبل. خطت خطوة صغيرة نحوه، خطوة واحدة كانت كافية لقول كل شيء دون حاجة للكلمات. ابتسمت، ورفعت يدها برفق ولمست طرف قميصه وكأنها تختبر واقعية اللحظة، ثم قالت بصوتٍ يكاد يُسمع:
"وأنا... سئمت القتال معك."
في تلك اللحظة، لم تكن هناك حاجة لمزيد من التبرير أو الشرح. لمس كفها برفق، وكأن لمسة بسيطة كانت أعظم من ألف اعتراف.
لأول مرة، اتفقا دون جدال. اتفقا على شيء لم يكن بين السطور، بل بين نبض القلب المتسارع لكليهما.
وتحت أضواء المدينة البعيدة، بدأ شيء حقيقي... شيء وُلد من كراهية شرسة، لكنه نضج ليصبح حبًا لم يكن أي منهما يتوقعه، حبًا وجداه في أكثر الأماكن غير المتوقعة: في قلب المنافسة الشديدة.