قصة"ظلال القصب"

في قرية نائية، حيث تلتقي الأرض بالسماء، كانت أليس تعيش حياة هادئة برفقة جدتها التي كانت تعاني من مرض الزهايمر. كانت أليس في التاسعة عشرة من عمرها، وجدت نفسها تحمّ…

 قصة"ظلال القصب"
المؤلف حرووف شيقه
تاريخ النشر
آخر تحديث


 


في قرية نائية، حيث تلتقي الأرض بالسماء، كانت أليس تعيش حياة هادئة برفقة جدتها التي كانت تعاني من مرض الزهايمر. كانت أليس في التاسعة عشرة من عمرها، وجدت نفسها تحمّل مسؤولية رعاية جدتها، التي كانت تتصرف أحيانًا وكأنها قد فقدت ارتباطها بالعالم. كانت جدتها تتحدث عن ذكريات قديمة، وتروي أشياء غريبة، لكن أليس كانت دائمًا تشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي في تلك القصص، شيئًا لا يمكن تفسيره.


في أحد الأيام، بينما كانت أليس في السوق القريب لإحضار بعض الحاجيات، شعرت بشيء غريب في قلبها. كانت تشعر وكأن شيئًا ما كان يناديها من بعيد. عندما عادت إلى المنزل، لاحظت أن الباب الأمامي كان مفتوحًا على مصراعيه. ارتفعت دقات قلبها وركضت داخل المنزل. جدتها ليست في المكان.


بالبحث في أنحاء المنزل، شعرت بالذعر يتسلل إليها. كانت هناك أصوات في الخارج، ولكنها لم تكن قادرة على تحديد مصدرها. سألَت جيرانها، لكن لا أحد رأى شيئًا. لم يعد لديها خيار سوى أن تذهب إلى الحقل الذي طالما ربطتها به ذكريات غريبة.


كانت الشمس في الأفق، تغرب بهدوء، بينما كانت أليس تسير عبر الطرق الضيقة نحو حقل القصب. كان الحقل شاسعًا، حيث ترتفع أعواد القصب كما لو أنها تحاول الوصول إلى السماء، وتتموج مع الرياح كما لو أنها تهمس بأسرار قديمة. في تلك اللحظة، تذكرت حديث جدتها في الأيام الأخيرة عن "أصوات تأتي من القصب". كانت جدتها تقول دائمًا: "إنه يعرف، الحقل يعرف كل شيء".


بينما كانت تقترب من الحقل، شعرت بشيء غريب. كان هنالك شخص ما يقف في الظل بالقرب من الحقل. رفعت نظرها لتجده يتجه نحوها كان الرجل يحمل فأسًا ضخمًا في يده، وكان يحدق بها بنظرة فارغة، وكأن عينيه لا تريان شيئًا.


زادت نبضات قلب أليس، وعجزت قدماها عن الحركة. حاولت أن تتنفس، ولكن الهواء بدا وكأنه ينفذ من رئتيها. ومع اقترابه، بدأ الرجل يركض نحوها. لا تستطيع الهروب، لا تستطيع التفكير.


في تلك اللحظة، سمعت صوت جدتها يأتي من بعيد، لكنه كان مختلفًا عن المعتاد. "توقفي، أليس، توقفي، لا تقتربي أكثر."


أليس، في ذهول، تمتمت، "جدتي، أين أنتِ؟"


ولكن الصوت لم يكن من جدتها الحقيقية. كان شيئًا آخر، صوتًا عميقًا غريبًا، يتردد في أذنها وكأنها قد دخلت في عالم آخر. اقترب منها الرجل، ورفع الفأس عاليًا.


ثم، في لحظة غريبة، انفجر الظلام.


استفاقت أليس فجأة في غرفة مستشفى. كانت مشوشة. كان هناك أطباء وممرضون من حولها يحاولون تهدئتها. نظرت حولها، ووجدت نفسها في مكان غير معروف. كان قلبها ينبض بسرعة، لكن ليس بسبب الجري في الحقل. كانت تشعر بفراغ، بشيء غريب في أعماقها. "ماذا يحدث؟ أين الرجل الذي كان يحمل الفأس؟" سألَت، لكنهم لم يجيبوا.


أدركت أنها لم تكن في قرية القصب، ولم تكن برفقة جدتها، ولا كانت تبحث عنها في الواقع. كانت مجرد تخيلات. لكن، ما أثار رعبها أكثر هو ما اكتشفته بعد لحظات: صوت جدتها، الذي كانت تسمعه في حقل القصب، لم يكن إلا نتيجة لمرضها – فصام الشخصية. في عالمها المختلط بين الحقيقة والوهم، كان صوت جدتها هو الذي يوجهها، ويساعدها في التعامل مع المواقف التي تواجهها.


لكن ما كان أكثر رعبًا، هو ما اكتشفته في آخر لحظة. عندما نظرت نحو نافذة الغرفة، رأت ظل شخصٍ ما يقف بالقرب من النافذة، يحمل فأسًا، كما لو كان يتربص بها من بعيد.


ظلال القصب، كما قالت جدتها، كانت تعرف كل شيء. ولكن هل كانت جدتها هي من تروي لها الحقيقة، أم أن هذه كانت مجرد خيالات مريض عقلي؟

تعليقات

عدد التعليقات : 0