قصة المتجر الغامض لعبة الموت التي لا تنتهي

كانت السماء تمطر بغزارة، والبرد ينهش أطرافه كما لو أنه عقابٌ إضافي على حياته التي تسير من سيئ إلى أسوأ. وقف عند مدخل مبنى قديم، يراقب الشارع المظلم بأضوائه الخافتة،…

قصة المتجر الغامض لعبة الموت التي لا تنتهي
المؤلف حرووف شيقه
تاريخ النشر
آخر تحديث



كانت السماء تمطر بغزارة، والبرد ينهش أطرافه كما لو أنه عقابٌ إضافي على حياته التي تسير من سيئ إلى أسوأ. وقف عند مدخل مبنى قديم، يراقب الشارع المظلم بأضوائه الخافتة، وعينيه تغرقان في فراغٍ لا نهاية له.


قبل شهر، كان لديه عمل. لم يكن مثاليًا، لكنه كان يكفي لسد رمقه. ذات صباح، وصله بريد إلكتروني بارد يخبره أن خدماته لم تعد مطلوبة. حاول التمسك بأي فرصة أخرى، لكن الحياة لا تمنح فرصًا ثانية لمن هم في القاع.


قبل أسبوع، خسر منزله. لم يكن بيتًا فاخرًا، لكنه كان مأواه الوحيد. وقف أمام المالك الذي ألقى بأغراضه خارجًا بلا اكتراث، وكلماته لا تزال ترن في أذنه: "لستَ أول ولا آخر شخص يخسر كل شيء. تحمَّل مسؤولية فشلك." لم يكن لديه مكان يذهب إليه، سوى الشوارع التي باتت وطنه الوحيد.


قبل يومين، فقد آخر شخص كان يؤمن به. صديقه الوحيد، الذي تحمل معه قسوة الأيام، قرر أن يبتعد. قال له بعيونٍ يملؤها الأسف: "لا أستطيع الاستمرار معك في هذا الطريق. أنت تجلب الحظ السيئ، وكلما بقيت معك، غرقتُ أكثر." رحل وتركه وحيدًا، بلا أي يدٍ تمتدّ له.


لكن الألم الأكبر كان الطلاق. منذ عام، انفصل عن زوجته التي أحبها بصدق، لكنه لم يكن الرجل الذي تحتاجه. غادر المنزل وهو يسمع بكاء ابنه الصغير خلفه، غير قادر على النظر إلى الوراء. حاول البقاء على اتصال، لكنه شعر أن وجوده أصبح عبئًا عليهما. مع الوقت، تلاشى من حياتهما، كما لو أنه لم يكن موجودًا من الأساس.


والآن، كان واقفًا هناك، بلا شيء يخسره. كان الجوع يمزق أحشاءه، واليأس يملأ روحه، وكأن الحياة قد ضاقت عليه تمامًا. رفع رأسه ببطء، فرأى في نهاية الشارع ضوءًا خافتًا لم يكن هناك من قبل. متجرًا صغيرًا، بأبواب زجاجية شفافة، وإضاءة دافئة تدعوه للدخول. لم يكن يبدو مختلفًا عن أي متجر آخر، لكنه شعر بشيء غريب يحيط به.


بدون تفكير، بدأ يمشي نحوه، غير مدركٍ أن تلك الخطوة ستغير كل شيء.



دفع الباب الزجاجي ببطء، فانطلقت رنّة خفيفة من جرس صغير فوقه، كأن المتجر كان ينتظر قدومه. في الداخل، كان كل شيء غريبًا. لم تكن هناك بضائع على الأرفف، لم يكن هناك أي شيء سوى حقيبة سوداء موضوعة على الطاولة الخشبية في المنتصف.


خلف المنضدة، وقف رجل بهدوء، بملامح محايدة ونظرة ثابتة. نظر إليه الرجل بحذر، لكن الرجل خلف المنضدة تحدث أولاً بصوت هادئ:


"مرحبًا، كنت بانتظارك. يمكنك استلام الحقيبة، لكن عليك دفع الثمن أولاً."


تجمد الرجل للحظة، ثم سأل بصوت متردد: "ما هو الثمن؟"


ابتسم الرجل قليلاً وأجاب: "شهر من حياتك."


كان الجوع واليأس ينهشان روحه، لم يكن لديه شيء يخسره. تنهد بعمق ثم قال: "موافق."


دفع الرجل خلف المنضدة الحقيبة نحوه دون أن يضيف كلمة أخرى. فتحها بسرعة، ليجد مبلغًا من المال، ليس بالكبير، لكنه يكفيه لبضعة أشهر. التفت ليشكره، لكنه وجده واقفًا بنفس هدوئه، كأنه لم يعد موجودًا في هذه اللحظة.


مرت الأشهر بسرعة، والمال نفد كما توقع. وجد الرجل نفسه يقف مجددًا أمام نفس الشارع، نفس المتجر. لكنه هذه المرة بدا مختلفًا. الإضاءة أقل دفئًا، واللوحة الخارجية تغيرت، لكنها لا تزال مألوفة. دفع الباب الزجاجي ودخل.


كان كل شيء في الداخل قد تغير. لم يعد المكان بنفس الترتيب، ولم يكن الرجل ذاته خلف المنضدة. كان هناك رجل جديد، بملامح مختلفة، لكنه قال بنفس النبرة الهادئة:


"مرحبًا، كنت بانتظارك. يمكنك استلام الحقيبة."


هذه المرة لم يخبره بالثمن. شعر الرجل بقلق غامض، فتردد قبل أن يسأل: "ما هو الثمن؟"


ابتسم الرجل الجديد وقال: "ستعرف بعد أن تأخذ الحقيبة."


مدّ يده إلى الحقيبة وسحبها نحوه. بمجرد أن لمسها، وضع الرجل أمامه ظرفًا بنيًا مغلقًا.


فتح الرجل الظرف ببطء، ليجد بداخله صورًا ومستندات تُدين رجلًا لا يعرفه. في الأعلى، ورقة مكتوب عليها تعليمات واضحة:

"اتصل بهذا الرقم. قل له إننا نعلم كل شيء. وقل له ما نريده. إما أن يفعل، أو سننشر ما لدينا."


خرج من المتجر واتجه إلى أقرب هاتف عمومي. اتصل بالرجل المجهول، وقال له بلهجة صارمة:


"إن لم تفعل ما هو مطلوب منك، سنقوم بنشر ما لدينا."


كان هناك صمت طويل في الطرف الآخر، قبل أن يأتي الرد المرتبك: "سأفعل كل ما تطلبونه." ثم أُغلق الخط.


في اليوم التالي، وقعت الحادثة. ابنه تعرض لحادث دهس مفاجئ، ومات في لحظتها. السائق لاذ بالفرار، ولم تتمكن الشرطة من العثور على أي دليل يكشف عن هويته.


كان وقع الصدمة عليه كالصاعقة. غرق في حالة اكتئاب شديدة، لم يكن يجد تفسيرًا لما حدث. كان يلوم نفسه بلا توقف: "لو كنت معه، لما أصابه أذى. لو كنت أبًا جيدًا، لما تركته يعيش بعيدًا عني." لم يكن يعلم أن الرجل الذي ابتزه هو ذاته من دبر مقتل ابنه، وأن المهمة الحقيقية التي نفذها كانت قتل ابنه دون أن يدرك.


مرت الشهور وهو يغرق أكثر فأكثر في دوامة الحزن والندم. لم يعد يرى للحياة أي معنى، حتى وجد نفسه في أحد الأيام يسير بلا هدف، ليجد أمامه المتجر من جديد.




في دخوله الثالث، دفع الباب الزجاجي بهدوء، ودخل بخطوات ثابتة كأنه يعود إلى مكان يعرفه جيدًا. وقف صامتًا في منتصف المتجر، عيناه تحدقان في اللاشيء، قبل أن يرفع رأسه أخيرًا ويسأل بصوت خافت كأنّه يخاطب نفسه:

"أين حقيبتي؟"


ابتسم الرجل خلف المنضدة وقال: "ليس هنالك حقيبة لك. لكن هنالك مهمة. إن نفذتها، بوسعك أن تأخذ الحقيبة."


"حسنًا، ما هي المهمة؟"


أخرج له صورًا، وقال: "هذا هو الشخص الذي قتل ابنك. وهذه عائلته. بوسعك الانتقام. هذه هي مهمتك."


لم يتردد. خرج وبدأ يتساءل في نفسه: هل شعوري بالانتقام هو ما دفعني لقبول المهمة، أم رغبتي بأخذ الحقيبة؟ تعددت التساؤلات، لكنه لم يعرها اهتمامًا. مضى يخطط كيف سيقوم بقتل الرجل. أم أن قتل الرجل لا يكفي؟ هل أقوم بحرمانه من عائلته كما فعل لي؟


وصل إلى عنوان الرجل، ليجده ليس مختلفًا عنه، مكتئب، يائس. لم يهتم. المهمة يجب تنفيذها. لم يعد يعنيه الانتقام، بل رغبته بأخذ الحقيبة. هل هذا أنا حقًا؟ لم أعد أطيق هذه الحياة. أريد إنهاء هذا الألم.


حل الليل، فتسلل إلى المنزل خلسة. طفلان نائمان في غرفة منفصلة. الزوجة نائمة في غرفة أخرى، لكن أين الرجل؟


بحث عنه، فوجده في الأعلى، في غرفة منفصلة. كان يردد: "كيف لم أنتبه؟ كيف فعلت ذلك؟ هذا ما كانوا يريدونه..."


كان في حالة هستيرية، يردد نفس الكلمات. نظر إليه من خلف الباب. هل يشفق عليه لما يعيشه من عذاب، أم ينتقم منه؟ قرر أخيرًا: سأجعله يعيش ما عشته. التفت ليذهب إلى الطفلين، لكنه سمع صوت الرجل يناديه:


"أرجوك، لا تذهب. تعال وأنهِ هذا الجحيم."


"كيف رأيتني؟ لقد أخبروني أنك قادم."


"من أخبرك بذلك؟"


"لا يهم. هيا، أرجوك، أنهِ الأمر."


نظر إليه بشفقة: "يبدو أنك تعيش ألمًا أكبر مما شعرت به."


تراجع عن تنفيذ انتقامه. لم يعد يريد الانتقام أو تنفيذ المهمة. شعر بالجحيم الذي يعيشه الرجل مما دفعه لترك سلاحه والمغادرة. تخبط قليلًا في شوارع المدينة، ليجد كل الطرق تقوده إلى المتجر.


ما إن دخل حتى وجد الرجل خلف المنضدة يقدم له الحقيبة.


قال له: "هذه مكافأتك."


فقال بدهشة: "مهلًا، لكني لم أُنهِ المهمة."


رد عليه الرجل: "لقد أنهيتها بالفعل. انظر إلى الأخبار."


فتح هاتفًا قُدم له، فرأى خبرًا عاجلًا:

رجل ينهي حياته، تاركًا خلفه رسالة غامضة:

"الطفل المقتول يعيش معي، ينظر إليّ، يسألني دائمًا: ماذا أخبرك أبي في الهاتف؟ لم أكن أفهم ماذا يقول، إلى أن التقيت بوالده اليوم..."


صُعق الأب من هذه الأخبار، وأدرك محتوى الرسالة. أصابته حالة من الجنون، بدأ يصرخ قائلًا:

"أنا... أنا القاتل الحقيقي! كيف لم أفهم؟ كيف لم أنتبه؟ هذا ما كانوا يريدونه!"


وجد نفسه يردد كلمات الرجل، خرج من المتجر ولم يعد يرى شيئًا أمامه. أصبحت الألوان كلها سوداء، لم يعد يقوى على الحراك. ذبل على الرصيف كما تذبل الورود، حتى النفس أصبح ثقيلًا. بقي ممددًا على ذلك الرصيف إلى أن فارق الحياة...


من خلف شاشة كبيرة، مجموعة من أصحاب النفوذ الأثرياء يشاهدون المشهد، يطلق أحدهم ضحكات عالية:


"لقد كسبت الرهان! لقد خسر حياته بعد أن تخلى عن ذلك الشهر!"


كل هذا الألم والمعاناة... لم تكن سوى لعبة.

رهان بين أشخاص ساديين، لا يرون في البشر سوى أدوات للمتعة.


والمتجر؟ لا يزال مفتوحًا...

بانتظار الضحية القادمة.


تعليقات

عدد التعليقات : 0