قصة العشق الأبدي

قبل عشرين سنة، كنت أقضي خدمتي العسكرية في إحدى المناطق الحدودية. كانت الثكنات بعيدة عن مواقع الخدمة، وكنت أخرج قبل الفجر وأعود بعد الغروب، ما جعلني أشعر بالقلق أثن…

 قصة العشق الأبدي
المؤلف حرووف شيقه
تاريخ النشر
آخر تحديث


 قبل عشرين سنة، كنت أقضي خدمتي العسكرية في إحدى المناطق الحدودية. كانت الثكنات بعيدة عن مواقع الخدمة، وكنت أخرج قبل الفجر وأعود بعد الغروب، ما جعلني أشعر بالقلق أثناء العودة، خاصةً أنني كنت أعود وحيدًا.


في إحدى الليالي، وبينما كنت أسير في طريقي المعتاد، رأيتها. امرأة ترتدي فستان زفاف أبيض، تقف على صخرة قرب الجبل. للحظة، حسبت أنني أتخيل، لكن عندما رمشت عيناي، اختفت فجأة، كما لو أنها لم تكن هنا أبدًا.


منذ تلك الليلة، صرت أنظر إلى تلك الصخرة في كل مرة أعود فيها، محاولًا التأكد مما رأيت. لكنني لم أجرؤ على إخبار أحد، خشية أن يظنوا أنني أتخيل بسبب الإرهاق.


وفي يوم آخر، مرّ بي رجل غريب أثناء نوبة الحراسة، همس لي: "أنت ستتزوج… لا تتأخر."


نظرت إليه باستغراب، فأنا لا أعرفه، ولا أفكر بالزواج أصلًا. ابتسم الرجل ومضى في طريقه وكأن شيئًا لم يكن. لم أعر الأمر اهتمامًا في البداية، لكن كلماته بدأت تتردد في ذهني، كأنها تحمل سرًا مجهولًا.


في طريقي للعودة في تلك الليلة، وبينما كنت غارقًا في التفكير، انفجرت عجلة السيارة فجأة. نزلت لفحصها، لكن العجلة الاحتياطية لم تكن في مكانها، رغم أنني كنت متأكدًا من وجودها بالأمس. اتصلت بمركز الخدمة وأخبروني أنهم سيرسلون المساعدة خلال نصف ساعة.


ألقيت نظرة حولي، وعندها رأيت شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقي…


كانت تلك الصخرة التي رأيت عليها العروس قد اختفت! كيف يمكن لصخرة بهذا الحجم أن تتلاشى؟ المكان بدا مختلفًا… وكأن جزءًا منه قد تحوّل.


وقبل أن أتمكن من استيعاب الأمر، سمعت أصواتًا غريبة. همسات، ضحكات، أصوات مختلطة، وكأن هناك عرسًا يقام خلف الجبل. الأصوات تزايدت، وكأنها تقترب مني أكثر فأكثر. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، لكن فضولي تغلّب على خوفي. قررت أن أتحقق.


صعدت الجبل بخطوات مترددة. كلما اقتربت، علت الأصوات، حتى وصلت إلى القمة… ثم، فجأة، ساد الصمت التام.


أمام عيني، بدلاً من الصخرة، كان هناك كوخ حجري مهترئ، وكأنه بُني منذ قرون.


تقدمت بحذر، ودفعت الباب الثقيل المتآكل. كان المكان فارغًا، لكنني شعرت بأنني لست وحدي. ثم، رأيتها.


الفتاة ذات فستان الزفاف كانت تقف هناك، بنفس الهيئة التي رأيتها بها قبل أيام، لكن هذه المرة، نظرت إليّ وكأنها تعرفني.


"كنت أعلم أنك ستعود." قالت بصوت ناعم، لكنه يحمل حزنًا لا يوصف.


"من أنتِ؟" سألتها، رغم أن داخلي كان يخبرني أنني أعرف الجواب مسبقًا.


ابتسمت، ولم تجب مباشرة. لكنها رفعت يدها، ولمست وجهي. وفجأة، كل شيء تغيّر.


الكوخ اختفى، والعالم من حولي بدأ ينهار، لتظهر أمامي صور من ماضٍ بعيد… ماضٍ كنت أنا جزءًا منه.


قبل سنوات، في زمن آخر، كنت أنا وهي عاشقين. كنا نخشى الفراق، الموت، النسيان، فبحثنا عن طريقة لنكون معًا للأبد. وجدنا طقوسًا قديمة، ممنوعة، همست لنا بوعد أبدي: أن نبقى مرتبطين عبر الزمن، أن نُبعث من جديد، حتى نجد بعضنا.


لكن الحقيقة كانت أفظع مما تصورنا.


لم تكن اللعنة تمنحنا الحياة معًا… بل جعلتني أنا الضحية، وجعلت الرجل الذي التقيته سابقًا، ذاك الذي همس لي بأنني سأتزوج، هو اللعنة ذاتها. كان يظهر في كل حياة جديدة لي، يهمس لي بتلك الكلمات، يقودني إلى المصير ذاته.


كان زواجنا هو الموت، لقاؤنا هو الفراق الأبدي. كل مرة أعود فيها، أجدها تنتظرني، وكل مرة نصل إلى لحظة الاتحاد، ينهار كل شيء، وأموت من جديد، تاركًا إياها في انتظار لا ينتهي.


نظرت إليها، وعرفت الحقيقة كاملة. "لقد ظلمتكِ… جعلتكِ تنتظرينني إلى الأبد."


أجابت والدموع تلمع في عينيها: "وأنت محكوم بأن تموت عند لقائنا، كل مرة… لأن ذاك الرجل هو اللعنة، هو من يضمن أن لا نكون معًا أبدًا."


شعرت بشيء بداخلي ينهار. الألم عاد، العلامة التي عرفتها الآن—لحظة موتي الجديدة. كنت أعرف أنني سأموت هنا، وسأعود من جديد… ولن أتمكن من لقائها أبدًا.


قبل أن تتلاشى رؤيتي، سألتها: "هل هناك مفر؟"


هزّت رأسها ببطء، وقالت بصوت خافت: "إما أن تكسر اللعنة… أو نستمر في هذا الجحيم للأبد."


كان جسدي ينهار، شعرت أنني أغرق في العدم مرة أخرى، لكنني كنت أعلم أنني سأعود. سأعيش حياة جديدة، وسأجد نفسي في هذا المكان مجددًا، أبحث عن سر لا أتذكره… وأجدها، في انتظار أبدي.


ثم… الظلام.


النهاية… أو ربما مجرد بداية أخرى.


تعليقات

عدد التعليقات : 0